
يُعَدُّ أسلوب كتابة الشعر الحساني مسألةَ خلافٍ شائعٍ قديمٍ متجدد لَدَى مجتمع البيظان عامةً مُذْ لجأوا إلى التدوين ترسيخًا لثقافتهم وحفظًا لها من شبح الضياع والاندثار.
وقد انقسم الشعراء والباحثون في هذا الصدد حيالَ الأسلوب الأنجع للكتابة الحسَّانية للشعر إلى مذاهبَ عدَّة، أبرزُها:
الأول | المذهب السماعي:
يعتمد أصحاب هذا المذهب في كتابة الشعر الحسَّاني على إثبات رسم ما يُسمع من الحروف دونَ غيرِها. وقد احتجَّ هؤلاء على صحة مذهبهم باحتواء البنيات العربية الفصيحة على أحرف لا تُنطق في حالاتٍ عِدة؛ وهي مما لا ضرورة لكتابته، بل إن من شأن كتابة هذه الأحرف- في نظرهم- التشويشُ على بلوغ النطق السليم عادةً لِلَّحن النهائي المطلوب.
الثاني | المذهب القياسي:
يعتمد أصحاب هذا المذهب في الكتابة الحسَّانية للشعر على بُنَى الكلمات الأصلية من اللغة العربية الفصحى. وقد احتجَّ هؤلاء على صحة مذهبهم بالآتي:
- كونُ اللهجة الحسانية ليست سوى امتداد فرعي من اللغة العربية الفصحى، وهي خاضعة بالضرورة لمقتضياتها كافة.
- سهولة قراءة وفهم الكلمات برسمِها الأصلي (اعتمادًا على الذاكرة البصرية)، نظرًا للشيوع الأكبر للرسم العربي الفصيح.
- الكتابة بغير الرسم العربي التقليدي الشهير للكلمات الحسَّانية ذات الأصول العربية فيه فتحٌ لباب تحريف وإضاعة اللغة الأصلِ لغةِ القرآن.
- الكتابة السماعية للشعر الحساني تستدعي بالضرورة تشكيل الأحرف إجبارًا، وهو ما قد لا يكون في متناول الجميع في اللحظة الراهنة على الأقل.
- حتى وإن كُتب الشعر الحساني سماعيا؛ فإن الغرضَ المبتغَى من ذلك قد لا يتحقق تمامًا، وقد تُقرأ الكلمات على غير ما يُراد في النهاية (لأسباب كثيرة لا يَسَعُنا المقالُ لعرضها).
الثالث | المذهب العشوائي المعقلَن:
يعتمد أصحاب هذا المذهب في كتابة الشعر الحسَّاني على الجمع بين المذهبين السالفَيْ الذِّكْرِ معًا؛ أو الاختيار بينها في كل مرة حسبَ ما يقتضيه التعبير، وحسب ما يراهُ الكاتب ملائمًا للسياق العام للنص المراد كتابته.
مذهبُنا:
وفي هذا الصدد نرى نحن شخصيا أن الأسلوب الأنجع- في آوِنَتِنا المعاصرة على الأقل- هو اعتماد الكتابة العشوائية المعقلنة، كمرحلة انتقالية، ريثما يتم التعوُّد كليا على الرسم السماعي المحض؛ وذلك حينما تزولُ غرابةُ استخدامه من أذهان الشعراء والعامة من الناس في فترات لاحقة. لكن ذلك- في نظرنا- ينبغي أن يخضع وجوبًا لشروط أهمُّها:
- أن يقتصر ذلك على كتابة الشعر حصرًا، حيثُ أنه المستلزمُ الوحيدُ لذلك دونَ غيرِه من كتاباتٍ نثريَّةٍ وغيرها.
- أن تُضبطَ الكتابات الشعريَّة بالتشكيل التام، ذرءًا للخطإ عند القراءة والذي جُعل هذا الأسلوب لمنع حدوثه ولتحسين النطق والقراءةِ السليمة.
- استيراد الأحرف المعبِّرة عن الأصوات الحسانية غير الموجودة في الرسم العربي، كالجيم القاهرية مثلا (تُكتب كافًا منقوطًا بثلاث).
- تمييز الأحرف التي تُلفظ بالتفخيم أو الترقيق حيثُما خُشيت قراءَتُها بغير صوتها الأصلي، وذلك عن طريق الألوان أو الإشارة إلى ذلك بعد انتهاء الكتابة في ملحق نصي مثلا.
- ألَّا يُستغنى عن الشرح العربي الفصيح للكلمات الصعبة التي تستوجبُ ذلك، في حالةِ كانَ الجمهورُ العربيُّ هو المستهدف بتلك الكتابات بالدرجة الأولى.
وبهذا نكون قد دنَوْنا- ولو قليلًا- من نقطة التقارب والالتقاء بين المذاهب الثلاثة المتباينة في هذا الشأن؛ آخذين في ذلك بأهم توصياتهم دونَ الإخلال بمدى سلاسة الرسم الشعري الحساني، وكذا دونَ المَساس بقدسية اللسان العربي الفصيح وسلامته من أي ضرر محتمل قد يلحقُه.
مقالة/ سِيد اليزيد حمادة